كتبت/ اسماء الاحمر
الحرمان من الأب يخلق أطفالًا مضطربة سلوكيًا
نظرًا لأن مرحلة الطفولة هي التي تشكل شخصية الطفل عن غيرها من المراحل، فإن قدرة الطفل على النمو الانفعالي والمعرفي والاجتماعي لا تأتي من فراغ، وإنما من مناخ أسري مستقر يحيط بالطفل؛ مما ييسر له التعلم والنصج والتفوق الدراسي وفق تلبية احتياجاته النفسية والاجتماعية، وبغياب أحد الوالدين خاصةً الأب يفوت الطفل الكثير من الخبرات الحياتية.
ونعني بالحرمان من الأب، أي حالة يكون فيها الأب بعيدًا عن أسرته؛ نتيجة ظروف الانفصال أو سفره أو الوفاة أو الانشغال بالعمل لسد متطلبات الحياة أو النبذ العاطفي للأبناء، أي على الرغم من وجوده فهو ليس له أي دورٍ في حياة الأسرة.
ويوضح أخصائي الإرشاد الأسري، أن أخطر وقتٍ لغياب الأب يتمثل في الاثنا عشر السنة الأولى من عمر الطفل؛ وذلك لأن الطفل في هذه الفترة يتعلم من هلال ملاحظة ومشاهدة الوالدين في المواقف والتجارب الحية، ثم يطبق ما شاهده من خلال تقليد الوالدين؛ فيعتمد على الأشياء الحسية لفهم الواقع من خلال التجارب الحية، وينحسر الاعتماد على المحسوسات تدريجيًا حتى عمر الثانية عشر؛ حيث يبدأ فكرة النظري التأملي المستقبل.
ولكي نبرر الآثار السلبية الناتجة عن الحرمان من الأب؛ فلابد من استعراض أولًا الفاعلية الأبوية في التنشئة السوية.
وجود الأب يزيد من ثقتهم بأنفسهم وشعورهم بالأمان النفسي ويحد من الشعور بالقلق والتهديد، تكوين الأنا الأبوية والضمير والمثل الأعلى من خلال تقويم الطفل على الأخطاء، يلعب الأب دور كبير في تشكيل ملامح السلوكيات التي تتناسب مع جنس الطفل؛ فيعتمد على والديه في إدراك الدور الذكري، فالطفل يستمد صفات الذكورة من الأب في ملبسه وطريقة كلامه ومعاملته للآخرين، يساهم الأب في تعميق شعور الفتاة بدورها الأنثوي عن طريق معاملته المختلفة وتذكيرها بما يجب وما لا يجب أن تفعله كأنثى؛ مما يرسخ شعور الأنوثة لديها ويدعم تقبلها لذاتها، وهو كفيل بتعليمها ما يجب أن يكون عليه سلوكها مع زوج المستقبل؛ فتواجد الأب مع ابنته يحدد نظرتها إلى الرجل مستقبلًا، وهذا ما يفسر ارتباط الفتاة بالأب عكس الولد الذي يرتبط بأمه، ولذلك تتبع الفتيات تصرفات الوالد وأقواله وطريقة تعامله، وإذا كانت العلاقة بينهم ضعيفة؛ فإنها تلجأ إلى الإحساس بالاكتمال بعيدًا عن والدها، وقد تتورط في مشاكل عاطفية بسبب تلك الحاجة.
ومن خلال استعراض أهمية وجود الأب في حياة الأبناء، تقودنا إلى استنتاج الآثار السلبية للحرمان من الأب على النحو التالي:
١-يؤثر على تكوين الضمير الأخلاقي للطفل؛ لأنه يعلم أنه لا يجد من يحاسبه.
٢-يؤثر على التفوق والتحصيل الدراسي للطفل؛ لقلة الانتباه والتركيز.
٣-قد يجد صعوبة في تكوين صداقات؛ بسبب سلوكياته غير الناضجة؛ كالعدوان والتنمر، أو ربنا يكون أقل اندماجًا معهم وانسحابًا وانطواءً وعزلةً.
٤-الحرمان العاطفي يفقد الأطفال الشعور بالأمن النفسي؛ فيشعرهم بالتهديد والاكتئاب والانسحاب، فدائمًا يخشى المبادأة؛ لأنه يفتقد الدعم الذي يحفزه ويشجعه.
٥-يؤثر في اكتساب الطفل الأدوار الاجتماعية؛ كالذكورة والأنوثة، فحرمان الطفل من والده يجعله يثق بالكبار النساء دون الرجال؛ فيتخذ من والدته نموذجًا ويكون أكثر التصاقًا بها، مما يزيد من فرص تطوير سلوك جنسي أنثوي لديه.
٦- ويؤثر الحرمان العاطفي من الأب على الفتاة بفقدها الثقة بنفسها وفي تعاملها مع الآخرين وشعورها بالخوف والقلق معظم الوقت، وقد يدفعها لسد احتياجاتها العاطفية خارج الأسرة.
٧-ويحرم أيضًا الطفل من التجارب الحية والمواقف الواقعية في تعامل أباه مع الحياة؛ فمنها يكتسب سلوكيات التعامل مع الحياة، وبحرمانه يفقد هذه الجوانب.
٨-حرمان الطفل من والده قد يدفعه إلى تأكيد نزعة القيادة والرجولة؛ فيتقمص دور الأب الغائب، مما قد يقوده للانضمام لرفاق السوء والمنحرفين، أو على الأقل يحفز لديه سلوكيات غير مقبولة.
ويوضح الباحثين أن الأطفال كالأنسجة يمتصون أزمة الغياب، وهم بحاجة إلى تفريغ التراكمات والاضطرابات النفسية الناشئة عن غياب العاطفة والتوجيه والسلطة الأبوية؛ فيأتي تنفيسهم في غير موضعه بشكل اضطرابات سلوكية، وربما ينتهي بهم إلى الجنوح.
ويشير أخصائي العلاج السلوكي للأطفال، أن الطفل الذي حرم من والده بحاجة إلى إعادة تهيئته لمناخ سوي شبيه بالمناخ الأسري؛ حتى يعيد بناء نفسه ويستعيد ثقته.
ولبناء وتدعيم العلاقة مع الأطفال، ينصح بقضاء وقت معهم يصبح جزءًا أساسيًا من حياتهم، باعتبار أن الوالد الذي يساهم في تنشئة أبنائه يطمئن إلى أنهم يكبرون وهم يشعرون بالثقة في النفس ويشعرون بقيمة ذواتهم، ويؤهلهم ذلك لمواجهة عالم الكبار، وخاصةً الفتيات اللاتي يفضلن الخروج مع آبائهن إلى أماكن عملهم والمدرسة والأسواق، وانعكاس ذلك عليهن يبدأ عندما يحاولن إثبات شخصياتهن أمام الآخرين.
بقلم/ أسماء الأحمر